فهرس المحتويات

الأربعاء، 6 نوفمبر 2019

أسئلة حساسة حول العلمانية



أسئلة حساسة حول العلمانية
  
رسلان عامر




نبذة عن الموضوع:
أصبحت العلمانية مصطلحا يكثر تردده على أسماعنا، وتطرح حوله آراء شديدة الاختلاف والتناقض، وتثار معه العديد من الأسئلة الحساسة المتعلقة بالدين والأخلاق والتربية، وفي الكثير من الأحيان تقدم حوله آراء سطحية أو مغلوطة سواء من قبل أنصاره أو خصومه.
وهذا المقال يحاول تسليط الضوء على أهم الأسئلة المتعلقة بالعلمانية، من ماهيتها إلى مواقفها، حيث يجري إيضاح أن العلمانية ليست عقدية ولا إيديولجية ولا فلسفة، بل منهجية اجتماعية سياسية مفتوحة، قابلة للتعددية والاختلاف والتطور، ما يعني وجوب الحديث ليس عن علمانية محددة ثابتة، بل عن "علمانيات" متعددة تختلف باختلاف المكان والزمان والظروف بين مجتمع وآخر وثقافة وأخرى وزمان وآخر.
كما يتم فيه تناول الإشكاليات التي تثيرها العلمانية الغربية كتراجع دور الدين والإباحية الجنسية والسياسات العدوانية الغربية، ويبين فيه أن العلمانية الغربية ليست المسؤولة عن هذه الأمور، التي تبين أسبابها بإيجاز؛ كما تبين العلاقة الحقيقية بين الدين والعلمانية، وأن الخلاف الأساسي بين العلمانية والمؤسسة الدينية هو خلاف سياسي وليس معتقدي؛ ويبين أيضا أن العلمانية - حتى الغربية منها- لا تتبنى أو تشجع بشكل حصري النمط الاستهلاكي الغالب اليوم في الغرب من العلاقات الجنسية، والذي يشكل بدوره جزءا من نمط حياة استهلاكي عام يسيطر على الحياة الغربية بمجملها؛ ويبين كذلك أن المصلحة الجشعة هي بشكل أساسي السبب الرئيس للسياسات العدوانية التي انتهجها وينتهجها الغرب الحديث.
ويختتم المقال حديثه بالنظر في وجوب التعامل العقلاني الموضوعي مع العلمانية والاستفادة منها كتجربة عالمية بما يناسب خصوصية مجتمعاتنا العربية.

*

في أيامنا هذه بات من الشائع عربيا الكلام عن العلمانية، ولم يعد غريبا أن نجد أصواتا كثيرة تدعو لتطبيق العلمانية كشرط لازم للتطور وللحاق بالركب الحضاري العالمي، وبين هذه الأصوات نجد من هو موضوعي ويدعو إلى تطبيق العلمانية عربيا بما يتناسب مع الخصوصيات الموضوعية للمجتمعات العربية، كما نجد من يدعو للتمثل بالغرب والسير على خطاه، وكأن "العلمانية" هنا تغدو "غربانية"، وبالمقابل نجد أيضا أصواتا كثيرة ترفض العلمانية رفضا قاطعا، وبعضها يكتفي باعتبارها طريقا حصريا خاصا بالغرب وحده، وبالتالي فليس من الضروري بتاتا للمجتمعات الأخرى أن تقلد الغرب فيها، فيما لا يكتفي فريق آخر بهذا، بل يذهب مذهبه المتطرف في رفضها إلى درجة شيطنتها وقرنها بالكفر والفسق.
وفي هذا المقال سنحاول بحيادية وإيجاز توضيح بعض أكثر المسائل حساسية في ما يتعلق بمسألة العلمانية عموما، والعلمانية الغربية خصوصا، والغاية الأساسية من ذلك هي معرفية ثقافية.

1-    هل العلمانية عقيدة أم إيديولوجيا أم منهجية؟
كثيرا ما يُعتقد أن العلمانية هي عقيدة محددة أو نسق إيديولوجي من المفاهيم الثابتة المؤطرة في إطار معين على غرار الشيوعية أو الفوضوية، أو هي فلسفة محددة مثلا كالوجودية أو الوضعية وهلم جرى.
فعليا، العلمانية هي ليست عقيدة أو إيديولوجية ولا حتى فلسفة محددة، وإنما هي منهجية سياسية اجتماعية ترى وجوب فصل واستقلال الدولة كمؤسسة بشكل تام عن المؤسسة الدينية ورجال الدين، وأنه يجب عليها كمؤسسة عدم اتخاذ أية عقيدة خاصة بها دينية أو وضعية، وأنه عليها أن تقف على مسافة واحدة من معتقدات جميع سكانها المختلفة، وتعاملهم كمواطنين بشكل متساو، وتكفل لهم حرية الاعتقاد، وتمنع أي صراع معتقدي بينهم، كما تمنع أيضا أي عنف أو أذى مرتبط بأي معتقد.
كما تركز العلمانية على ضرورة عدم الخلط بين الدين والسياسة لما في ذلك من خطر عليهما كليهما، لكنها تفسح المجال التام لاشتقاق برامج سياسية من مرجعيات دينية أو وضعية، ويعتمد على الدين في ذلك بصفته ثقافة إنسانية واقعية وليس تنزيلا سماويا مقدسا، ما يجعل هذه البرامج بحد ذاتها قابلة كليا للنقد والتغيير كبرامج، وبصفتها برامج موضوعة باجتهاد بشري يحتمل الخطأ والصواب والاختلاف.

2-    علمانية أم علمانيات؟
واقعيا من غير الموضوعي الكلام عن العلمانية وكأنها منظومة واحدة محددة، فهي مطبقة في أكثر من مئة دولة في العالم، في كل القارات، وفي ثقافات مختلفة، فعدا عن كونها نظاما سائدا في أوروبا والأمريكيتين، فهي مطبقة في العديد من دول آسيا وإفريقيا، منها مثلا اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند وتركيا وأوزبكستان وأرمينيا وسواها في آسيا، وجنوب إفريقيا وأثيوبيا والكاميرون ونيجيريا وليبيريا وسواها في إفريقيا.
 وهناك 15دولة علمانية في كل من قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا، أغلبية سكانها من المسلمين، وهي: تركيا، بنغلاديش، أوزبكستان، أذربيجان،كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان، ألبانيا، كوسوفو، بوركينا فاسو، السنغال، مالي، تشاد، غينيا – كوناكري، ويزيد مجموع سكان هذه الدول العلمانية الـ15 على 400 مليون نسمة، إضافة إلى إندونيسيا، التي يزيد تعداد سكانها على 270 مليون نسمة، والتي لا ينص دستورها على وجود أي دين رسمي للدولة.
بناء على ما تقدم يمكننا الكلام بثقة أنه ليس هناك علمانية واحدة محددة، بل هناك علمانيات متعددة ومختلفة وقابلة للمزيد من التعدد والاختلاف، فالعلمانية في اليابان -مثلا- تختلف عما هي عليه في الهند أو أوزبكستان أو أرمينيا أو تركيا، وهذه العلمانيات الآسيوية المختلفة عن بعضها البعض تختلف أيضا عن علمانيات إفريقيا وأوروبا والأمريكيتين، المختلفة بدورها عن بعضها البعض في نفس القارة، وبين قارة وأخرى.
وهذا يعني أنه لا يمكن الكلام عن علمانية واحدة أو شكل واحد للعلمانية، بل يجب الكلام عن تعدد في الأشكال العلمانية، كل شكل منها يناسب البيئة الاجتماعية التي يطبق فيها.
وهذا ما يؤكده لنا أيضا الباحث الفرنسي الشهير المختص في العلمانية، والأستاذ الجامعي جان بوبيرو(Jean Baubérot)  في كتابه "العَلمانيّات في العالَم".
عدا عن ذلك، فالعلمانية نفسها ليست نسقا محددا ثابتا دوما في أية دولة تطبق فيها، بل هي نظام مفتوح قابل دوما للتغير والتطور، فمثلا العلمانية الفرنسية نفسها شهدت تقدما نوعيا مع إصدار قوانين 1905، وعلمانية روسيا اليوم تختلف عن علمانية الاتحاد السوفييتي السابق.

طبعا لا يمكن إنكار أن الغرب بشقيه الأوروبي والأمريكي لعب دورا كبيرا في نشأة وتطور وانتشار العلمانية في العالم الحديث، كما لا يُنكر أيضا أن أكثر المظاهر السلبية المقترنة  بالعلمانية سببها اقتران هذه المظاهر بالعلمانية الغربية ومن أهمهما ظاهرتي العدوانية تجاه الشعوب الأخرى والإباحية الجنسية، مع أنه من غير الموضوعي الربط سببيا بين هذه المظاهر وبين العلمانية، وهذا ما سنبينه لاحقا في سياق المقال.
 هذا إضافة إلى الحساسية التي تثيرها مسألة تراجع الدين في الغرب وتقلص دوره، وهي  ذات أهمية استثنائية بالنسبة للشعوب المتدينة، التي يهمهما جدا –ويحق لها- الحفاظ على معتقداتها.
وهذا ما ستتناوله الفقرات التالية.

3-    العلمانية والدين:
كثيرا ما تتم المطابقة بين العلمانية والإلحاد واعتبار العلمانية ضد الدين، وهذه الصورة بلا شك تعززها سلوكيات وطروحات بعض العلمانيين العرب.
لكن هذه السلوكيات والآراء أيا كانت فهي تعبر فقط عن وجهة نظر أصحابها لا أكثر، فالعلمانية ليس لديها قطعا أية نسق عقائدي لاهوتي أو ضد لاهوتي، وهي لا تعتبر أن هذه المسألة من شأنها، وفيها يعتبر المعتقد حقا شخصيا من حقوق الإنسان لا يجوز منعه منه أو فرضه عليه، ويجب على الدولة ضمانه له وحمايته من أي اضطهاد أو انتقاص بسببه.
إذا كيف نفسر تراجع الدين في الغرب؟
هذا ليس من فعل العلمانية، بل يمكن القول أن تراجع الدين وتطور العلمانية هما ظاهرتان ترافقتا في الغرب، لكنهما معا تعودان إلى نفس الأسباب، فلو عدنا إلى الغرب ما قبل العلماني، فسنجده الغرب ما قبل النهضوي، غرب القرون الوسطى، الذي كانت تهيمن عليه كنسية القرون الوسطى وتحكمه ملكيات مطلقة تزعم حقها السماوي في الحكم بدعم من الكنيسة ودعم من الإقطاع، وكانت المظالم الاجتماعية والبؤس سائدة في هذه الممالك، كما كانت الكنيسة نفسها تحتكر الدين والكتاب المقدس، وتضطهد مخالفيها بتهمة الهرطقة سواء كانوا لاهوتيين أو فلاسفة أو حتى علماء، وهكذا إلى أن أتى اليوم الذي لم تعد فيه الشعوب الغربية تستطيع تحمل هذه المظالم والمفاسد أكثر، فتمردت على الكنيسة والملوك والإقطاعيين، ما يعني أن تراجع دور الدين جاء بسبب دور الكنيسة التي عجزت عن تقديم الدين بالشكل الذي يرضي المتطلبات الاجتماعية وشروط المعيشة الإنسانية الكريمة، وبسبب عجزها أيضا عن تقديم الدين بصورة تستطيع الصمود بوجه تحديات العلم والفكر العقلاني.
مع ذلك فالخلاف الأساسي بين العلمانية والكنيسة لم يكن خلافا عقائديا، وإنما كان خلافا سياسيا، وكان الشيء الأساسي الذي يريده العلمانيون من الكنيسة هو الكف عن التدخل في شؤون الدولة والمؤسسات الرسمية، والكف عن فرض نفسها على المجتمع، لكنهم لم يفرضوا عليها حل نفسها، أو الكف عن ممارسة نشاطها الديني السلمي.
وهذا ما يزال مستمرا حتى اليوم، فالأنظمة الغربية العلمانية ليس لديها أية مشكلة مع العقائد الدينية أو غير الدينية، فرغم تراجع دور الدين عموما في الغرب، إلا أنه رغم ذلك فالغرب اليوم حافل بالتنوع الديني والعقائدي والفكري، حيث تتواجد فيه الأديان التاريخية المعروفة، كما تتواجد أديان غير تقليدية حديثة، وتتواجد فلسفات مثالية وأخرى مادية وهكذا دواليك، واليوم هناك ملايين من المسلمين يستوطنون في العلمانيات الغربية كمسلمين، ويوجد أعداد مماثلة من أتباع الأديان الأخرى، من صينيين وهنود وأفارقة وسواهم، وهم وافدون إلى الغرب في عصر حداثته وعلمانيته، وجميعهم يتمتعون بحقوق مواطنة متساوية مع الغربيين الأصليين أنفسهم.

4-    العلاقة بين الجنسين:
هذه أيضا قضية جد حساسة بالنسبة للمجتمعات المحافظة، التي كثيرا ما يتم فيها المطابقة بين العلمانية وبين الشكل الغربي السائد من هذه العلاقات، الذي يعتبر بنظر هذه المجتمعات "إباحية"، ما يؤدي بالتالي إلى وصم العلمانية نفسها بـ "الإباحية".
واقعيا هذا الشكل الاستهلاكي من العلاقات الجنسية السائد في الغرب ليست المسؤولة عنه العلمانية بشكل عام ولا العلمانية الغربية بشكل خاص، فعند الكلام عن العلمانية بشكلها العام سنجد مجتمعات أخرى عديدة في آسيا وإفريقيا اعتُمدت فيها العلمانية، ولم ينتشر فيها الشكل الاستهلاكي من العلاقات الجنسية، ومثال على ذلك الهند واليابان، اللتان ما تزالان محافظتين على تقاليدهما الخاصة رغم علمانيتيهما.
أما في ما يتعلق بالعلمانية الغربية نفسها، فالواضح فيها أنها هي أيضا لا تتبنى حصريا الشكل الجنسي الاستهلاكي الغالب في غربها، ففي الغرب ثمة الكثير من الجاليات المحافظة الإسلامية وغير الإسلامية، والعلمانية الغربية نفسها لا تفرض عليهم أي سلوك جنسي لا يريدونه.
فعليا ليس هناك نظرية علمانية خاصة بالعلاقات الجنسية تشجع العلاقات غير الزوجية أو العكس، والعلمانية نفسها قطعا لا تروج للعلاقات غير الزوجية، لكن موقف العلمانية من هذا الموضوع واضح:
فهي أولا تتعامل مع الإنسان ككائن عاقل مسؤول، وبالتالي فهي تترك له مهمة الاختيار والقرار وتحمل مسؤولية خياراته وقراراته، وهذا ينطبق على العلاقة الجنسية، لذا لا تفرض العلمانية شكلا محددا لهذه العلاقة، وكأنها تقول للناس: "أنتم اختاروا، وتحملوا مسؤولية اختياركم"!
وثانيا، العلمانية نفسها تقبل التعدد والاختلاف والتنافس، وهي تعطي المجال لكل من يرى أن أمرا ما صحيحا أو خطأ أن يعبر عن رأيه ويسعى لإقناع الآخرين به، لكن بدون عنف، وبالتالي فهي تعطي الحق لمن يرى أن الشكل الشائع من العلاقات الجنسية في الغرب خطأ بالتصدي لما يراه خطأ بأي شكل يريده عدا العنف.
أما سبب شيوع هذا الشكل الاستهلاكي من العلاقات الجنسية في الغرب، فيمكن بشكل رئيس رده إلى السببين التاليين:
1- ما لا شك فيه أن تراجع الدين المرتبط بتراجع دور الكنيسة، الذي سبق الحديث عنه، لعب دوره، فالتقاليد الجنسية المحافظة في الغرب، كانت في زمانها تعتمد بدرجة كبيرة على المرجعية الدينية، وهذا قاسم عام مشترك عند الشعوب، حيث لا يمكن الفصل بين الأخلاق الجنسية والتعاليم الدينية.
2- هيمنة النمط الاستهلاكي على مجمل جوانب الحياة في الغرب، وليس فقط على العلاقة بين الجنسين، وهذا ما تلعب فيه دورا رئيسا المنظومة الرأسمالية الغربية، المنفلتة فعليا من أية ضوابط، والتي تشجع بكل قواها الحياة الاستهلاكية، لأن الاستهلاك يحقق لها الربح، وزيادة الاستهلاك تعني زيادة الربح.

5-    ما هو دور العلمانية في العدوانية والإجرام في تاريخ الغرب الحديث:
ليس هناك أية علمانية غربية أو غير غربية تتبنى العنف أو تدعو إليه، بل على العكس من ذلك، فالعلمانية من حيث المبدأ هي منظمومة هدفها مصلحة الإنسان، التي تقتضي حتما السلام، أما العنف والإجرام، الموجود في المجتمعات الغربية أو غيرها من المجتمعات، فسببه غالبا إما تضخم المصلحة أو تضخم العصبية أو كلاهما معا.
وإذا ما عدنا إلى التاريخ الأوروبي ما قبل العلماني، فسنجد الكثير من الصراعات الدينية بين المذاهب المسيحية نفسها أو مع أصحاب الأديان الأخرى كما كان الحال في الحملات الصليبية مثلا، هذا عدا عن الحروب التي خاضها الحكام الغربيين سابقا فيما بينهم، وخاضتها لاحقا الدول الغربية الحديثة بسبب المصالح، والتي كانت أضخمها الحربان العالميتان، إضافة إلى الصراعات الأهلية التي تعود أسبابها إلى تردي الأوضاع الداخلية كما كان الحال في الثورتين الفرنسية والروسية مثلا.
وعليه فلا يجوز تحميل العلمانية مسؤولية أي عنف أو جريمة إذا كان من يقوم به طرفا علمانيا، تماما كما لا يجوز تحميل الإسلام مسؤولية أية جريمة يقوم بها مسلم أو جهة إسلامية متطرفة ما، فهذه الجرائم والأعمال العدوانية تمثل حصرا من قاموا بها وبصفتهم الخاصة فقط.

6-    نحن والعلمانية:
وبعد، ما هو الموقف الأفضل بالنسبة لنا كعرب، معظمنا محافظ وتدين أكثريتنا بالإسلام، من العلمانية؟
الصحيح هو الاستفادة منها كتجربة عالمية بما يناسب ظروفنا وخصوصياتنا كما استفاد غيرنا منها، وهذا لا يعني اقتباس تجارب الغرب الأوروأمريكي ولا الشرق الآسيوي، ولا أحد سواه، بل يعني أنه علينا أن نسلك طريقنا الخاص في العلمنة، فالعلمنة هي التطبيق الواقعي للعلمانية كسيرورة تطورية تواصلة مستمر، وهذا ما يعطيها إمكانية النجاح، فيما يعني التعامل معها كوصفة كلية جاهزة فشلها الحتمي، لأن ذلك يعني إسقاطها كقالب على الواقع دون النظر إلى ظروف هذا الوقائع وحيثياته.
هذا جد مهم، والذي لا يقل عنه أهمية هو عقلنة وعصرنة تديننا، وتطوير فهم حديث لديننا يناسب العصر ومتطلبات العصر وتحديات العقل والعلم، والكف عن تقليد السلف، فليس كل السلف صالحا من ناحية، ومن ناحية ثانية احترام السلف الصالح لا يكون بتقليده، وإنما بفهمه فهما صحيحا، وسلفنا الصالح الذي بنى حضارة عالمية في أوانه، كان ابن عصره ولم يقلد أحدا سواه، واستفاد من حضارات الآخرين دون أن يفقد خصوصيته، وهذا ما يجب علينا فعله.

*
المقال منشور في مجلة المعرفة\العدد 674\ تشرين الثاني 2019\ص234-240






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق