فهرس المحتويات

الأحد، 26 فبراير 2017

حقيقة الإيقونات في المسيحية

 
حقيقة الإيقونات في المسيحية

    تاريخ النشر:

    
 

كل عام و أنتم بخير
   في هذه الأعياد المباركة ..
   و الأيام الميلادية المجيدة..
   نتابع الحديث عن قضايا مرتبطة بالمسيحية، و سنتحدث في هذا المقال عن الإيقونات في المسيحية، و نرد على من يسأل :
هل يعبد المسيحيون الإيقونات؟


   أثارت قضية استخدام الإيقونات و تقديسها في المسيحية جدلا واسعا عبر التاريخ داخل المسيحية نفسها، و خارجها ممن يعتبرونها شكلا من أشكال عبادة الأوثان، فما هي حقيقة الدور الذي تلعبه الإيقونات في المسيحية .. و سر التقديس الذي تحظى به فيها؟



   في البداية لا بد من توضيح معنى و أصل مصطلح " إيقونة".

   كلمة "أيقونة": هي تعريب للكلمة اليونانية "εἰκών "، و تلفظ "eikōn"، و تعني "شبه، أو مثال".
   و الإيقونات في المسيحية هي لوحات تصور شخصيات مقدسة في المسيحية ، سماوية و أرضية، أو أفكار و مواقف من الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد، و رسم و اعتماد الإيقونات في الكنائس هو فن و نظام كنسي دقيق، و لا يمكننا بالتالي اعتبار أية لوحة يبدعها فنان مسيحي، أو غير مسيحي، و يعبر فيها عن قضايا مرتبطة بالمسيحية إيقونات !
   إن استخدام الإيقونات هو تقليد شائع في الكنائس التقليدية (الكاثوليكية و الأرثذوكسية..و ما يتبع لها) .. لكنه مرفوض عموما عند البروتستنانت.. و (الكنائس) الحديثة التي تفرعت عنها كالعديد من الحركات االمسيحية الحديثة في أمريكا مثلا، و الخلاف بين الكنائسالتقليدية و البروتستانتية في هذا الشأن هو جزء من خلاف أشمل و أعمق حول مفهوم و أساس الكنيسة نفسها، لكن قبل المضي في الحديث عن هذا الموضوع، لا بد من الإشارة إلى أن المواقف الرافضة للإيقونات لم تقتصر على البروتستانت و حدهم ، فهي ظهرت قبلهم وبقرون، و منها مثلا حركة "تحطيم الإيـقـونـات -iconoclasm" .. التي تزعمها الإمبراطور البيزنطي ليو الثالث (Leo III)، المعروف بـ ليوالإيساوري، و يعُرف أيضًا بـ ليو الـسوري، الذي حكم بيزنطة من عام 717م. حتى وفاته في 741م.


   أما قضية وجود و تقديس الإيقونات في المسيحية التقليدية ، فلا يمكننا أن نفهمها فهما صحيحا، إلا إذا فهمنا الأساس الذي تقوم عليه الديانة المسيحية، و الأكثرية منا يرون فيها دينا يوم يقوم على كتاب مقدس هو "الكتاب المقدس"، و يتبع نبيا هو " يسوع المسيح"، وهكذا تتطابق صورتها مع صورة الإسلام الذي يقوم على الإيمان بـ"القرآن الكريم" كتابا سماويا منزلا للناس و بـ " النبي محمد" رسولا إلهيا إليهم ، هذه الصورة للمسيحية ليست صحيحة ، فالمسيحية ليست ديانة كتابية ، أي أنها لا تقوم على فكرة "الكتاب المنزل"، والإنجيل في المسيحية لا يدل على كتاب محدد على غرار القرآن، و لا يتطابق مع تصور المسلمين الذين يتصورون الإنجيل كتابا محددا منزلا على عيسى كما أنزل القرآن على محمد، الإنجيل في المسيحية يدل على رسالة المسيح ككل، و على روح و جوهر تعاليمه، وهو لا يدل على كتاب محدد جمعت فيه هذه تعاليم و أقوال يسوع، و كلمة إنجيل هي كلمة يونانية الأصل "εὐαγγέλιον" و تلفظ "euangelion : ايوانجيليون" و تعني البشارة أو الخبر السار، و سميت رسالة يسوع بهذا التسمية لأنها بالنسبة لتلاميذه كانت تحمل بشرى الخلاص .. و تنشر روح المحبة و السلام! و إذا شئنا المقارنة بين المسيحية و الإسلام، فالمسيح في المسيحية يقابل القرآن في الإسلام، ففي الإسلام " كلمة الله" أنزلت في كتاب هو القرآن الكريم، أما في المسيحية فالكلمة الإلهية قد حلت في جسد و صارت يسوع المسيح، و هذا ما يقوله لنا إنجيل يوحنا فـي الآية ( 1: 14): "والكلمة صار جسدا وحل بيننا .."، و يتابع يوحنا فيقول لنا في ختام إنجيله في الآية ( 21: 25) : "و هناك أشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة"، و هذا يعني أن فكرة وجود كـتـاب محدد جامع لتعاليم المسيح أو حاو ٍ على الرسالة الإلهية لم تكن قائما في ذهن المسيحيين الأوائل، فالكلمة الإلهية حلت في يسوع المسيح ، و هو ينطق بها أقوالا و أفعالا لا تعد و لا تحصى في رسالة لا حدود لها.



   المسيحية هي ديانة تقوم على المسيح نفسه و على جوهر و روح تعاليمه ، و على الكنيسة التي أسسها هو بنفسه، و وضعها في عهدة الروح القدس الذي سيرعاها و يحميها أبد الدهر، إلى أن يعود يسوع في يوم القيامة، و هذا يعني أن للكنيسة أولوية على الأسفارالمقدسة، و هذه الأسفار تغدو وثائقا تابعة للكنيسة، و ليس و ثائقاً تقوم عليها اللكنيسة، و لكن يبقى بالطيع للوثائق التي كتبها التلاميذ المباشرون ليسوع المعروفون مثل متى و يو حنا و الآخرون ، و تلاميذهم مثل مرقس تلميذ بطرس و لوقا تلميذ بولس.. و سواهم، أهمية قصوى و أولوية على وثائق الأجيال اللاحقة التي يعرف كتـّابها بتسمية "الآباء"، وتعرف كتاباتهم بـ"الآبائيات - Patristics".



  إذاً يمكننا القول أن الكتب الكنسية تقسم إلى فئتين هما :

- الفئة الأولى هي الأسفار المقدسة (Scripture)، وهذه الأسفار تدخل في الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد، و هي من وضع تلاميذ يسوع و تلاميذهم، وهؤلاء جميعا يسمون عموما بالتلاميذ (disciples) أو الرسل (apostles)، والنصوص الداخلة في العهد الجديد و عددها 27 نصا هي ما نعرفه بشكل عام تحت مسمى "الإنجيل"، وهذه النصوص أقرت بشكل نهائي في مجمع نيقيا عام 325 ميلادي، و لكن قبل هذا المجمع كان هناك مجامع عديدة ودار فيها الجدل حول مصداقية النصوص و الأسفارالمتداولة بين المسيحيين، و في بعض المجامع زاد العدد عن 27 ، فيما نقص في بعضها الآخر، و بعد قرار مجمع نيقيا أصبحت النصوص الـ 27 الداخلة في العهد الجديد تسمى بـ " الأسفار القانونية -Canons"، فيما حملت كل النصوص الأخرى غير القانونية-تسمية "أبوكريفا Apocrypha"، و شرح مصطلح"أبوغريفا" و السبب في اعتماده يخرج الآن عن سياق هذا المقال!
- الفئة الثانية - كما سلف - هي " الآبائيات "، و كتبها قديسون مثل إيريناؤس (120-202 م.) و أكليمندس الإسكندري (150-215م)، و القديس جيروم الذي وُلد حوالي عام 342 م، والقديس أثناسيوس الرسولي الذي كان من أهم الشخصيات التي شاركت في مجمع نيقيا..و الكثيرون غيرهم!


   الغاية من هذا السرد هي توضيح العلاقة بين الكنيسة و الأسفار المقدسة التي كتبها التلاميذ ، و الكتابات المقدسة التي كتبها الآباء، و التركيز على انتماء كل من كتب التلاميذ و الآباء إلى التراث الكنسي الذي تعطيه الكنيسة صفة القداسة!

   أما صفة القداسة فهي ليست مجرد صفة توقيرية و تبجيلية تطلق على هذا الشخص أو ذاك ، وهذا السفر أو سواه ، بل ثمة آلية كنسية منظمة و محدة لهذا الغرض، و هي تسمى " التطويب أو التقنين canonization"، و عندما يتم -مثلا تقنين سفر أو كتاب، فهذا يعـنـي أن الكنيسة تعتبر أنه قد كتب بإلهام الروح القدس و تحت إشرافه، فالروح القدس هو راعي الكنيسة و حاميها و مرشدها كما سلف القول.


   بعد ذلك الشرح، نعود إلى موضوع الإيقونات، و يمكننا الآن أن نقول أن الإيقونات بالنسبة للكنيسة هي جزء من الكلمة الإلهية التي ينشرها الروح القدس في الكنيسة و يعبـّر بها من خلالها، و هي كلمة مقدسة مثل أسفار التلاميذ و كتب الآباء، و لكنها كلمة مصورة بدلا من أن تكون مكتوبة، و معبر عنها بالصورة بدلا من الحرف، و هي أيـضا وثيقة كنسية مقننة و مطوبة بنفس المبدأ الذي يتم فيه تطويب الشخصيات و النصوص!



   ما تقدم من كلام لا ينطبق على أكثرية الكنائس البروتستانتية، فمعظم البروتستانت لا يعترفون بالأيقونات و لا بالآبائيات، و الكلمة الإلهية المسيحية عندهم تنحصر فقط في أسفار العهد الجديد.



   هذا توضيح مختصر لمسألة الإيقونات..

   إنها ليست أصناما تعبد..
   إنها كلمة مقدسة يعبر عنها بالفن ..
  و يعيدها التاريخ الكنسي إلى القديس لوقا تلميذ بولس ..حيث يروى أنه أول من رسم وجه المسيح.!

هذا المقال منشور على غوغل بلس، على الرباط التالي:
https://plus.google.com/117103247148930059284/posts/b9JG8FsaycX

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق