فهرس المحتويات

الخميس، 21 نوفمبر 2019

سؤال يطرحه العقل على كل أصحاب ذهنيات الفرقة الناجية



 رسلان عامر

 

نحن هنا لا نطرح هذا السؤال بدافع الجدل العقائدي، ولكن لأنه سؤال جوهري يرتبط بواقع حياتنا المباشر.. حيث يصر المتطرفون الدينيون على ربط الدين بالسياسة، ووجوب إسلامية الحكم، ويقسمون الناس إلى مؤمنين وكافرين، فيكفرون كل من لا يتفق معهم في الرأي، ويعاقبون الكافرين على كفرهم بأقصى العقوبات!
فمن هو المؤمن ومن هو الكافر، وما هي علاقة كل من الكفر والإيمان بالعقل والأخلاق؟
فهل الكافر هو من طلب الحق فضل قي سبيله؟
أم هو من طلب الباطل فأدركه؟
أم هو من عرف الحق فأنكره؟

 ببسيط الكلام..كل المتدينين يؤمنون إيمانا صادقا بأن أديانهم حق، ولا أحد منهم يتعمد الباطل ويتغياه، فلو فرضنا أن دينا واحدا محددا هو دين الحق دون سواه، فما ذنب أتباع بقية الأديان، وهم لا يختلفون في طريقة تقبلهم لأديانهم عن طريقة تقبل أتباع هذا الدين لهذا الدين؟!
هناك إيمان صادق لدى كل متدين بأن دينه حق، وهذا الإيمان يوافق عليه ويصادق عليه عقله، وإن كان لا يصنعه!
ومع ذلك إذا سألنا المؤمن من أي دين كيف آمنت بدينك، فهو لا يستطيع أن يلغي دور العقل من إجابته، فلو ألغاه لحكم على دينه أيا كان هذا الدين بالبطلان، فلا حق بدون عقل، ولا دين لغير عاقل!
هنا سيقول هذا المتدين أنه ربما اختار دينه بالعقل، أو أنه تقبله بالتلقين ثم راجعه بالعقل!
وسنقبل الآن هذه الأقوال دون الجدل فيها، وسنرى إلى أين ستقودنا!

في حالة اختيار الدين بالعقل، ووجود أديان متعددة وعقول مختلفة، فتعدد الأديان واختلاف العقول سينتج حتما خيارات مختلفة، وما يختاره عقل لا يعني حكما أن عقلا آخر سيختاره، وهذا أمر لا جدال فيه، وهو مثبت تاريخيا وواقعيا في كل مجالات الحياة، وهو أيضا يُعتمد حجة لدى المتدينين أنفسهم للقول بوجوب تنزيل "الحقيقة الدينية" من السماء ..لكي لا يختلف عليها البشر على الأرض فيضلون فيها!
واقعيا الأمر لم يحسم بعد، فطالما أن العقل هو الذي يختار فهو يخطئ ويصيب مها كانت النوايا سليمة، وهذا يضعنا قي مأزق منطقي وخـُلقي، فإذا اختار فلان بعقله وصدق نيته دينا ما فأصاب وأفلح، صار في عداد المؤمنين المرضي عنهم، أما إذا اختار علان بعقله وصدق نيته أيضا دينا آخر فأخطأ، أصبح من الكافرين المغضوب عليهم، فما ذنبه، وأين فضل الأول على الثاني؟!
العاقل لا يتحدى بشريا آخر يفوقه قوة، ولو كان الفرق قي القوة ليس بكبير، فهو يعرف أن التحدي خاسر، فكيف به بتحدي الله إن كان مؤمنا بوجوده؟! وهل يعقل أن عاقلا يدرك بعقله ما هي إرادة الله أو دين الله، ثم يرفضه واضعا نفسه في حالة مواجهة مع الله؟! أو هل من المعقول أن يتعمّد عاقل إنكار وجود الله وهو مؤمن بوجوده، فيلحد به ليكون بنفس الوقت مؤمنا وملحدا؟! فما هو إذا ذنب شخص استخدم عقله وتبعه بنية سليمة كما ينبغي لأي عاقل يحترم عقله الذي يجعله إنسانا أن يفعل، فقاده هذا العقل إلى الإلحاد؟!
هذا ليس من فعل العاقلين، فإن كان الفاعل ليس عاقلا..فليس عليه عندها حرج! أما إذا كان عاقلا واختار خيارا خاطئا، فهذا يعني إما أن العقل الذي أعطاه له الله غير كاف لإدارك دين الله، أو أن الدين الذي أنزله الله غير كاف لإقناع العقل الذي أعطاه الله، ويستطيع ذلك المخطئ عندها أن يحتج بأنه غير مذنب في كلتا الحالتين، طالما أن العقل والدين كلاهما من عند الله، وأنه كمخطئ قام بواجبه في الاختيار..وفعل كل ما عليه فعله كما فعل الذي أصاب الاختيار، فصواب هذا وخطأ ذاك كلاهما يعود إلى عوامل خارجة عن إرادتيهما، ولا مسؤولية لهما فيها!

أما إذا عدنا إلى الفرض الثاني وهو القائل بالتلقين، ومن ثم المراجعة العقلية المزعومة، فالأمر لا يختلف عن سابقه، ولا يختلف فيه المتدينون إن كانت دعوى حدوثه صحيحة، فكل واحد يمكنه أن يقول أنه تلقى دينه من محيطه، ثم تفكّر بعقله فيه فأقرّه، وهذا يضع كل المتدينين في حالة تساو في عملية قبول الدين، فلا فضل لواحد على الآخر، كما أنه يحيلنا عند النظر في مسألة المراجعة بالعقل نفسها من جديد إلى قضية العقل ودوره ..وواقعية خطأه أو صوابه، التي لا يتحمل صاحبه مسؤوليتها!

إن مسؤولية العقل لا تختلف عن مسؤولية الجسد، ولا أحد يلوم أحدا إن كانت قدراته الجسدية لا تستطيع رفع ثقل يتجاوزها حتى مع أحسن تدريب، والواقع يثبت أنه حتى العقول النابغة لا تُجمع على دين، فهي قد تختار أديانا مختلفة، أو تختار فلسفات إيمانية أو إلحادية هي بدورها مختلفة، فإذا كان هذا حال العقول الكبرى، فهذا يسقط اللوم في حالة اختيار دين غير صحيح بدعوى أن صاحبه لم  ينشّط عقله كما ينبغي، ما يقتضي بدوره إلغاء فضل من يختار دينا صحيحا بعقل ضعيف، وإحالة ذلك إلى الصدفة أو إلى إتباع إرادة عامل خارجي.. كإرادة شخص آخر مثلا!

واقعيا الغالبية العظمى من أتباع كل الأديان، تنشأ على أديان آبائها بالتلقين، ومن النادر أن تحدث مراجعة عقلية للدين الملقن، فإذا ما استُخدم العقل، فهو يستخدم لتعزيز القناعات المسبقة المكونة بالتلقين، ما يبقي العقل دائرا في فلكها! لكن التاريخ يثبت أن الناس كثيرا ما غيروا أديانهم، هذا صحيح.. وهنا يمكن تشبيه الأمر وكأنه ثورات عقائدية تحدث في الظروف الموضوعية المناسبة، كغيرها من الثورات والتغيرات الكبرى، ومع ذلك فطريقة تقبل الدين الجديد، هي الأخرى لا تقوم على العقل والبرهان، ولكنها تقوم على عوامل إيمانية، فعندما يأتي الدين الجديد بما هو أنسب إيمانيا يزيح الدين القديم، وهذه العوامل الإيمانية..لا تنفصل عن ظرفيتها التاريخية وواقعها الاجتماعي المتكامل، وليست بالضرورة مجانبة تماما للعقل، ولكنها لا ترتقي إلى درجة العقل البرهاني، ويختلط فيها غير العقلاني مع العقلاني، والغيبي مع المعقول، وهذا عائد إلى طبيعة الدين الإيمانية بحد ذاتها، وإلا لأصبح الدين فلسفة لو أنه قام على العقل البرهاني!
وبما أن المتدينين مهما اختلفت أديانهم كلهم متشابهون في تلقيها التلقيني الغيبي التسليمي، الخارج عن إراداتهم، فلا فضل لهذا في ما اختاره وأصاب، ولا ذنب لذلك في ما اختاره وضل، ونحن هنا نستخدم كلمة اختيار على سبيل المجاز، ففي الحقيقة عموم المتدينين لا يختارون، ولكنهم يبرمجون عقائديا ويرثون العقائد، وهذه بحد ذاته كاف لإسقاط كل من الفضل والمسؤولية عن الدين المتبع تبعية! وليس لدينا على أرض الواقع إلا قلة قليلة تخرج عن مواريثها وتختار بجهدها، ولكن حتى هؤلاء يختلفون في خياراتهم!

لو فكرنا قليلا بهذا الأسلوب العقلاني البسيط، فسنصل إلى نتيجة مفادها أنه قضية التكفير قضية لا محل لها بتاتا من العقلانية والعقل، وهي تشتد في الدين بقدر ما يقل دور العقل فيه، وبالعكس!
ولا حل لها إلا بعقلنة الواقع الثقافي قي المجتمع، التي تقتضي عقلنة كل واقعه الاجتماعي، التي تعني وجوب أن يكون هذا الواقع معافى في اقتصاده وسياسته وعلاقاته الاجتماعية وسواها، وهذه كلها أمور مرتبطة جدليا مع بعضها البعض ومع الثقافة، ولا يمكن النجاح في أحدها دون سواه!
*
07 ‏أيار, ‏2019



*
منشور على موقع الأوان
سؤال يطرحه العقل على كلّ أصحاب ذهنيات الفرقة النّاجية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق