فهرس المحتويات

الجمعة، 19 مايو 2017

الغنوصية في فلسفة فالنتين معلمها الأكبر



الغنوصية في فلسفة فالنتين معلمها الأكبر


آلاّ إيفانوفنا ييلانسكايا[1]
ترجمة رسلان عامر






   
 مقدمة
 يقول المفكر الروسي الكبير ألكسي لوسيف عن الغنوصية:"لقد كانت الغنوصية(Gnosticism) الظاهرة الأغنى والأكثر أصالة  في القرنين الميلاديين الثاني و الثالث، و التي لا يمكن أن نجد لها مثيلا لا في الأدييات الوثنية القديمة و لا في الأدييات المسيحية، و شكليا كانت تلك المرحلة انتقالا من الفكر القديم إلى فكر القرون الوسطى، و هي عادة ما توصف بهذا الشكل، لكن نظرا للأصالة غير المسبوقة للحركة الغنوصية كلها،  فتوصيف الانتقال هذا لا يعطي إلا القليل، و إذا ما فـُهمت الظاهرة الانتقالية كاختلاط ميكانيكي بين القديم و الجديد، فمهمة البحث في هذه المسألة تصبح شديدة التبسيط، لكن هنا يكمن جوهر الأمر، فالانتقال لا يعني أبدا مجرد اختلاط القديم بالحديث، بل هو دائما ما يتملك هيئته التاريخية الخاصة، و التي  بالرغم من أنه لا يصعب فيها تحديد القديم و الجديد، فهي لا تؤدي بأي شكل من الأشكال إلى ذلك الاختلاط الميكانيكي، و هذا مهم بشكل خاص لفهم ظاهرة قديمة مثل الغنوصية."[2].

   و في الوقت الذي صار فيه الاهتمام و البحث في الغنوصية من الأمور الواسعة الانتشار في مجالات عديدة من العلوم الإنسانية في الغرب، بالكاد نجد بعض المراجع العربية التي تتطرق إليها بشكل عام، و يندر أن نجد كتابا مختصا في مجالها.
    في هذه المقالة، تسلط المؤلفة الضوء على أشهر منظومات الفكر الغنوصي، و يليها بعض الإضافات التوضيحية من المترجم، إضافة إلى الحواشي المدرجة من قبله في حواشي النص المترجم.


   

   المقالة مترجمة بتصرف:   

   الغنوصية هي اتجاه ديني نشأ في بداية عصرنا، و تندمج فيه مجموعة من العناصر، التي ليس من النادر أن تناقض بعضها البعض، و لكن التي يوحدها مبدأ عام: و هو أن كلا من  صناع و أتباع هذه التعاليم اعتبروا أنفسهم حملة المعرفة السرية العظيمة- الغنوص[3] ،و قد ازدهرت الغنوصية بشكل بارز في البيئة المصرية[4]،التي كانت خصبة بالنسبة لها بفضل التركيب بين كل من الديانات الوثنية، و الفلسفة اليونانية، و اليهودية و المسيحية التي كانت تتشارك الوجود، و كان أشهر منظري الغنوصية الإسكندريون فالنتين [5] و كاربوقراط[6] و فاسيليد[7] (وهو من مواليد سوريا).

   في أساس التعاليم الغنوصية يتواجد تقابل تضادي  بين العالم الروحي و العالم المادي، الذي كان ينظر إليه كوليد و تجسيد للقوى المظلمة، و غلّ للروحانية، و قد أُعلن ديميورغ [8] خالق العالم المادي ربا للقوى المظلمة بخلاف الله، الآب، القوة العليا، التي لم يبصرها ديميورغ؛ و الله كنطاق أسمى يتواجد في قمة العالم اللامادي، و من هذا العالم يتحدر بعض الناس، وبالأدق يتحدر جوهرهم الروحي، المحبوس على الأرض في غشاء مادي، وهؤلاء بالطبع هم حملة الغنوص، و من أجل تحريرهم يظهر على الأرض المسيح، أو أي مخلص آخر مرسل من قبل الإله الحقيقي.

   كانت منظومة فالنتين[9] من بين المنظومات الفكرية الغنوصية هي الأكثر نجاحا و انتشارا، و وفقا لتعليمه، في قمة العالم يوجد الآب، العمق اللامولود فيثوس (Bythos)، و قرينته سيغي (Sigê) أي الصمت، و من هما يولد[10] العقل نوس (Nous) و الحقيقة أليثييا(Alêtheia)، اللذين يولد منهما بدورهما الكلمة لوغوس (Logos) و الحياة زويا (Zoê)، و من الآخيرين الإنسان أنثروبوس (Anthrôpos) و الكنيسة إكليسيا (Ekklêsia)، و هذه الإيونات[11] الثمانية تشكل الأوغادا ((Ogadأي الثـُمانية، و بعدها تولد خمس زوجيات أو سيزيغيات(Syzygies)، أي عشرة إيونات لتشكل الديكادا(Dekad)، أي العشرية، ثم ستة زوجيات فتشكل الدوديكادا (Dodekad) أي الإثناعشرية، و هذه الإيونات الثلاثون تشكل عالم الكمال أو البليروما(Pleroma)، لكن الإيون المؤنث في الزوجية الأخيرة صوفيا (Sophia)،الحكمة، أو بيستيس- صوفيا (Pistis-Sophia)، الإيمان - الحكمة،  تتلهف شوقا لمعرفة الآب، لكن معرفة الآب ممكنة فقط لابنه العقل، و لهفة صوفيا هذه أدت إلى حملها الذاتي و ولادة الشهوة أخاموث (Achamoth)، التي تطرد من البليروما، و عندها يقوم العقل و الحقيقة بولادة زوجية إضافية و هي المسيح و الروح القدس، اللذين يعظان الإيونات بأنه لا يمكن معرفة اللامدرَك، و  بعدها كل الإيونات متحدة تلد الإيون الثالث و الثلاثين يسوع المخلّص،ثم يظهر المسيح لأخماموث الموجودة خارج البليروما و يوقظ فيها الوعي، و عندها تدرك عدم كمالها و تتحرق رغبة، فيهبط  إليها يسوع و يفصل عنها الرغبات، فتتشكل منهن المادة- أو الهيولا- (Hylē)، و بعدها تلد أخاموث جوهرا حيويا نفسانيا، و من نظرة إلى الملائكة المحيطين بالمخلّص، تلد جوهرا لاماديا روحانيا، و من الجوهر الحيوي النفساني تنتج أخاموث الخالق ديميورغ، الذي  يعطي المادة أشكالا و يعطيها الحيوية جزئيا، و يقوم بدون وعي منه بإنشاء العالم السفلي الكينوما (Kenoma) على صورة البليروما، لتشغل فيها أخاموث مكان الآب، و ديميورغ مكان العقل، فيعتقد ديميورغ بأنه الإله و الخالق الوحيد، و يخلق الناس الماديين (hylics)، و النفسانيين (psychics)، لكن جزءا منهم، وهم الروحانيين (pneumatics) يمتلكون عنصرا روحانيا متحدرا إليهم من أخاموث، و تبعا لذلك فهؤلاء لا يحتاجون إلى خلاص، أما الجسدانيون فخلاصهم مستحيل، و لخلاص النفسانيين ظهر يسوع، الذي حل في لحظة المعمودية في (الناصري) الإنسان وارتفع قبل الصلب إلى البليروما، و(هكذا فقد عانى فقط العنصر النفساني المكتسي بالمادة)، و بعد نهاية الزمان، تدخل أخاموث إلى البليروما  كإيون لتكون قرينة ليسوع، و إلى هناك يدخل أيضا الروحانيون، و يشغل ديميورع مكان أخاموث في الكينوما و يبقى معه من حصل على الخلاص من النفسانيين، و بقية النفسانيين و الجسدانيين يهلكون في النار التي تلتهم المادة.

   كانت الغنوصية كهرطقة تلاحق من قبل الكنيسة، و كتابات الغنوصيين كانت تحرق، و قبل العثور عليها في الترجمات القبطية كان معروفا منها فقط ، ما كان محفوظا عن طريق الاقتباسات المطروحة في عرض النظريات الغنوصية عند ناقديها المسيحيين، فعند إيريناوس مثلا ترد بالتفصيل المنظومة الغنوصية الأشهر لفالنتين، لكن فقط الترجمات القبطية حفظت مجموعة كاملة من النصوص، الأكبر بينها هو »بيستيس-صوفيا« المبني بشكل عام على هذه المنظومة، و تلك الترجمات عثر عليا في لقيا أثرية كبيرة في نجع حمادي (هينوبوسكيون قديما) في مصر، حيث عثر في الرمل على جرة تحتوي على 13 سجلا من البردي مغلفا بالجلد ( وهي أقدم الكتب المحفوظ بالكامل المعروفة لنا)، و هذه مكتبة غنوصية كاملة تضم أكثر من 40 سفرا (بعضها يتكرر مرتين و ثلاثا في سجلات مختلفة[12].

Alla Ivanovna Yelanskaya


   
   تعقيب من المترجم:

   لم يؤسس الغنوصيون مذهبا عقائديا موحدا، وكثرت لديهم الأطروحات و الاجتهادات، و كانوا يرون في ذلك أمرا طبيعيا ينسجم مع تجربة العرفان ذات الطابع الشخصي، و هكذا نجد تباينات في تفاصيل هذا المنظومة النشوئية في مصادر غنوصية أخرى، و في بعضها يصور إله العالم السفلي بصورة شيطانية، و تتم المطابقة بينه و بين يهوه إله اليهود، و يسمى بـالأرخون (Archon)، و هي كلمة كانت تطلق في اللغة اليونانية على القائد العسكري أو الزعيم المحلي، كما تطلق عليه أيضا تسمية "صمائيل"(Samael) التي تعني بالآرامية "إله العميان"، و ( (Yaldabaot التي يرجح أنها من الآرامية (yalda bahut) و تعني "ابن الشواش" (Son of Chaos)، و ((Saklas "الأحمق" بالآرامية أيضا، وهكذا دوليك، و هذا الإله الشرير يرسل دائما الرسل الكذبة لخداع الناس و منعهم من معرفة الحقائق، و كل الأنبياء الإسرائيليين برأي هذه المدارس الغنوصية هم خدم لهذا الإله الشرير، الذي جاء يسوع ليخلص الناس من شره، و في الرواية الغنوصية – على عكس الرواية التوراتية-  منع الأرخون آدم و حواء من الأكل من شجرة المعرفة في الجنة لكي لا يعرفا حقيقته الباطلة و أنه إله دعي كاذب، فينصرفا عن عبادته إلى الآب الحقيقي، و لذا و بإرادة هذا الآب تم إرسال مخلص، و حل في الثعبان و أقنع حواء، التي أقنعت بدورها زوجها فأكلا من شجرة المعرفة، و عرفا الحقيقة، فعاقبهما الأرخون بالطرد من جنته، و في  أبوكريفات (apocrypha) (أسفار غير معترف بها كنسيا) كسفري "نشوء العالم" و"جوهر الأرخونات" من مجموعة نجع حمادي، على سبيل المثال، نجد الكثير من المعطيات عن هذه القضية.

   و هنا كما نرى لا يلعب الثعبان دور المغوي، بل على العكس هو منقذ، و الخلاص جاء عن طريق حواء، و هذا على عكس ما جاء في التوراة، حيث نجد هناك أن السقوط ابتدأ بحواء، و هذا يشير بجلاء إلى استمرار واضح للعناصر الأمومية (matriarchal) في الغنوصية، بخلاف اليهودية المغرقة في ذكوريتها، التي تكرست لا حقا في كل من المسيحية التقليدية و الإسلام، أما بخصوص الثعبان، فقد نشطت طائفة غنوصية استمرت تقريبا حتى القرن السادس، هي طائفة الأوفيتيين، الذين يلقبون أيضا بـ"عبدة الأفاعي"، وحقيقة الأمر هو أن الأفعى لم تكن تعبد من قبلهم، لكنها كانت رمزا مقدسا عندهم بسبب دورها في عملية الخلاص العرفاني، و تعود تسمية هذه الطائفة إلى كلمة (ophis)، التي تعني ثعبان باليونانية، و قدا اشتهر أبناء هذه الطائفة بممارستهم للطب.

    من الواضح هنا أن الغنوصية تقول بالثنوية (dualism)، أي أنها تعترف بوجود إلهين، أحدهما إله الخير، وهو الإله الأصل، و الثاني هو إله الشر أو المتسبب في الشر، وهو إله طارئ،  و قد نتج نتيجة تحرق صوفيا، العنصر الأخير في عالم الكمال لمعرفة أصل هذه الكمال المتمثل بالإله الآب، و قد نشأ عن هذه الرغبة ولادة عنصر ناقص هو الأرخون، صانع العالم السفلي.
   الثنوية هنا تختلف عن الثانوية الفارسية التي تقول بوجود إلهين من حيث المبدأ، أحدهما للخير و الآخر للشر، كما تختلف عن الثنوية الصينية التي يقف مبدآها على الحياد من قضية الخير و الشر، فيكون الخير في تناسقهما و توازنهما، و الشر في اختلال التوازن والتناسق بينهما.
   أما الغنوصية فتجمع عناصر من كلتا الثنويتين، فهي تشبه الفارسية منهما بوضعها قطبا للشر مقابل قطب للخير، لكن هنا ليس ثمة مبدئية أصلية في قطب الشر، وهو طارئ، و هو في كونه طارئا يصبح نوعا من اختلال حالة التوازن التي كانت موجودة في عالم الكمال (البليروما)، و بذلك يقترب الشر كنتيجة من الصورة التي تفسر وجوده فيها الثنوية الصينية.
   غنوصيا، نجد أن الشر بدأ مع صوفيا التي لم ترض بمكانتها كعنصر أخير في البليروما، فاشتهت ما هو ليس من حقها، و لم تستطع السيطرة على شهوتها لأنها لم تكن تمتلك المعرفة الكافية، وهي في نقصها المعرفي هذا كانت تطمح لاستكماله بمعرفة الإله الآب، و كأننا هنا نجد الغنوصية تقول لنا أن الشهوة هي أساس الشر، لكن محرك هذه الشهوة هو نقص المعرفة، ونقص معرفة كيفية التعامل معها، وعندما يولد الشر، فهو  يولّد معه مولدات لشرور أخرى، حيث نجد أن الأرخون عند بعض المذاهب الغنوصية يتصرف كشخصية جاهلة و مغرورة، وحاسدة و حاقدة، و هذا يتجلى في خلقه للإنسان الأرضي و استجهاله، و خداعه بألوهية باطلة، بهدف استعباده انتقاما من نظيره السماوي، الإنسان السماوي محبوب الآب، الذي خلق الأرخون الإنسان الأرضي على صورته.

   حل كل هذه المشاكل تراه الغنوصية  في المعرفة، أو العرفان (الغنوص)، و بهذه العرفان سيتم في النهاية استعادة التوازن الكوني المفقود.

   و العرفان غنوصيا هو تجربة فردية، و الخلاص المعرفي لا يحتاج إلى كنيسة، و هذا أحد الأسباب القوية التي جعلت الكنيسة ترى في الغنوصية دعوة خطيرة تلغي دورها، و بما أن الخلاص يتم بالعرفان، فهنا لا يعود المسيح مخلصا بقيامه بدور الفادي، بل بقيامه بدور المنوّر، الذي يوقظ النور الداخلي الموجود في الإنسان القابل للاستنارة، وهذا يحيلنا إلى وضع يشبه بوذا في البوذية، و قد حاول العديد من الباحثين أن يجدوا بناء على هذا صلة وصل بين البوذية و الغنوصية، ومنهم من طرح فكرة وصول الأفكار البوذية إلى الحوض الشرقي للمتوسط عن طريق رسل الملك البوذي الشهير أشوكا، الذي وحد الهند، ثم قرر جعل البوذية ديانتها الرسمية، و قرر نشرها في العالم، كونها الديانة الأكثر سلاما، و كان بهذا يريد التكفير عما أراقه من دماء في حروبه لتوحيد الهند بقوة السيف، فيما ذهب آخرون أبعد من ذلك باتجاه الماضي، ليجدوا رابطهم المفترض على مستوى التقارب العرقي بين السلالات البشرية في وادي النيل و شرق المتوسط القديمين، والهنود ذوي البشرة السمراء "الدرافيديين" (Dravidian) الذين تتحدر منهم سلالة بوذا، و ينتمي إليهم المهاتما غاندي بدوره؛ و لعل مقارنة الآيتين التاليتين من إنجيل يوحنا الكنسي و إنجيل توما الغنوصي توضحان لنا الخلاف الكبير بين مفهومي الخلاص ودور المسيح بين المسيحية التقليدية و الغنوصية، ففي الآية (14: 6) من إنجيل يوحنا يقول يسوع: «أنا هو الطريق و الحق و الحياة لا أحد يأتي إلى الآب إلا بي»، فيما نجد أن المقابل في إنجيل توما هو الآية رقم (24) التي تقول: «...هناك نور داخل إنسانٍ من نور، وهو ينير العالم بأسره، فإن لم ينر كانت الظلمة»[13].

  تاريخيا، تمكن الاضطهاد الكنسي في القرون الوسطى من القضاء على الطوائف الغنوصية، التي كان الأوفيتيون آخرها، و مع أن المخطوطات الغنوصية أبيد معظمها أو اختفى، فالأفكار استمرت، و قد لعبت الأفكار الغنوصية دورا أساسيا في ظهور طوائف البوغوميليين (Bogomils) في بلغاريا و جنوب شرق أوروبا في القرن العاشر، و الكاثاريين (Cathars)، الذين تأثروا بهم، في أوكسيتانيا في جنوب فرنسا و استمروا بالوجود حتى القرن الثالث عشر، الذي قضت فيه عليهم البابوية بالتحالف مع الملكية الفرنسية بحملة عسكرية دموية.

     أما في التاريخ الإسلامي، فثمة شبه كبير بن الغنوصية و بين الطوائف الباطنية الإسلامية، و مع أنه يصعب تحديد صلة تاريخية مباشرة بين الطوائف الغنوصية و هذه الطوائف، فمن المحتمل أن الإسلام التقى بالأفكار الغنوصية عن طريق امتداداتها و تطوراتها اللاحقة في ما بين النهرين وفارس، فمن المعروف أن المانوية، و إن كانت ديانة مستقلة، قد كان مؤسسها ماني شديد التأثر بالغنوصية، كما أنه حتى اليوم ما تزال طائفة المندائيين في جنوب العراق موجودة، وهي ديانتها بدورها تحتفظ بالكثير من العناصر الغنوصية [14].    

  و اليوم و بعد العثور على مكتبة نجع حمادي الغنوصية، و ما تبعها من أبحاث و دراسات و أعمال فكرية و أدبية حديثة على مستوى العالم، وما كان قد سبقها من أبحاث اعتمدت على لقى أثرية أخرى، وعلى الانتقادات العنيفة الموجهة للغنوصيين في كتب اللاهوت المسيحي التقليدي لمؤلفين عاصروا الغنوصية (ككتب أريناوس و أبيفانيوس، وغيرهما..)، عادت الغنوصية للظهور في حلة جديدة، عدا عن حضور أفكارها بشكل غير مباشر في العديد من النتاجات الفنية و الفكرية و الأدبية الحديثة، لتظهر بشكل مباشر في طوائف عديدة في الغرب، و لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أشهرها الإكليزيا الغنوصية (The Ecclesia Gnostica) [15]  و كنيسة القديسة مريم و القديس يوحنا (The Church of St. Mary & St. John)[16]، كما كان للغنوصية أثر كبير في نشأة ومنهجية كل من الجمعية الثيوصوفية (theosophical Society) التي أسستها الروسية ييلينا بلافتسكايا (Helena Petrovna Blavatsky) عام 1875م.، و الجمعية الأنثروبوصوفية (Anthroposophical Society) المتفرعة عنها، التي أسسها النمساوي رودولف شتاينر (Rudolf Steiner) عام 1912 م، و العديد غيرها.

    هذه نبذة تضيف شيئا إلى القليل المعروف عربيا عن الغنوصية، و هي الظاهرة التاريخية و الدينية التي تستحق أن تولى حقها من الاهتمام و البحث العلمي الجدي.


سوريا- السويداء – شهبا
11- 5- 2017






  


[1] - Yelanskaya  Alla Ivanovna ، (1926-2005م)، هي دكتورة روسية في اللغة القبطية و علم اللغات، و هذه الترجمة هي ترجمة من الروسية، بتصرف اقتضته الضرورة الفنية لصياغة المقال، و لا يخل بالأمانة العلمية، لمقدمة الفصل 12من كتابها "أقوال الآباء الأقباط"، الذي يحمل عنوان "من الكتابات الغنوصية"، و قد تمت الاستعانة بموسوعة ويكيبديا بنسختها الإنكليزية، لتدقيق و تقديم الأسماء و المصطلحات بصيغتها الإنكليزية أو اللاتينية، تسهيلا على القارئ العربي الراغب بالمزيد من البحث الذاتي و المتابعة.
[2] - Aleksei Losev(1893-1988)، دكتور في الفلسفة و علوم اللغة، كان مضطهدا على أيام ستالين، من كتبه الشهيرة "ديالكتيك الأسطورة"، و قد ترجم إلى العربية بعنوان"فلسفة الأسطورة"، و هذا الاقتباس من مطلع فصل "الغنوصية" في كتابه غير المترجم إلى العربية "تاريخ الإسطيطيقا القديمة".
[3] - Gnosis، وتعني المعرفة السرانية و الباطنية و فهم الأمور الروحية، و بعض الباحثين و المترجمين  يقابلها في العربية بـ"العرفان".
[4] -  لم يقتصر انتشار الغنوصية على مصر وحدها، رغم الازدهار المميز الذي عرفته الغنوصية فيها، فقد امتد هذا الازدهار أيضا إلى سوريا القديمة، و انتشر بدرجات و أشكال مختلفة في كل حوض المتوسط، و وصل إلى ما بين النهرين و فارس.
[5] - Valentinus، (100-160م)، من مواليد مصر، درس في الإسكندرية، كان الأكثر شهرة و نجاحا بين اللاهوتيين المسيحيين الغنوصيين، و ينسب إليه كتابة سفر"بيستيس-صوفيا"، و قد أسس مدرسة في روما، و وفقا لترتوليان كان مرشحا لأسقفية كنيسة روما، لكنه افتتح مدرسته هناك بعد اختيار شخص آخر لهذا المنصب.
ويكيبيديا الإنكليزية -
[6] - Basilides، لاهوتي غنوصي من مواليد سوريا، برز في الإسكندرية في القرن الثاني، و أسس فيها مدرسة غنوصية، و وفقا لكليمنت الإسكندري، كان فاسيليد يعلن أنه أسس تعاليمه بناء على تقليد سري تلقاه من الرسول بطرس، و قد كتب مزاميرا و قصائدا و شروحات على الأناجيل، و كتب أيضا إنجيله الخاص، لكنها فقدت كلها، و ترد شذرات مختلفة من هذه الكتابات عند كليمنت، و يقول القديس إيريناوس و آخرون غيره، أن منظومة تعاليمه تضمنت عناصر من الفلسفة الأفلاطونية المحدثة ومن العهد الجديد، و قد استمرت مدرسته في مصر حتى القرن الرابع.
الموسوعة البريطانية -
[7] - Carpocrates، غنوصي من الإسكندرية، عاش في القرن الثاني، و كان يرى أن الطريق الصحيح في الحياة يتلخص في رفض العالم، و احتقار الأرباب المتمردين الذين كونوه، و هذا الاحتقار يتحقق بالقيام بكل أنواع الآثام الجسدية الممكنة، و قد أسس تلاميذه عام 160 في روما طائفة خاص تميزت بتشارك الزوجات.
ويكيبيديا الروسية -
[8] -  Demiurge، الكلمة في اللغة اليونانية تعني الصانع، و  كمصطلح تدل على خالق العالم في فلسفة أفلاطون، و على خالق العالم المادي السفلي في الغنوصية.
[9] -  في الجزء الأخير (تعقيب من المترجم)  من هذه المقالة ثمة المزيد حول هذا الموضوع.
[10] - الولادة في الغنوصية تتم عن طريق الفيض (emanation).
[11] -  جمع "إيون" (eon) أو (aeon)، و الكلمة تعني لغويا في اليونانية "عصر، دهر"،  و لكن كمصطلح فلسفي يدل في الأفلاطونية الجديدة و الغنوصية على القوة المتشخصة الموجودة خارج الزمن، و المتولدة من الله، و هذه الفكرة دخلت في الفلسفة العربية حيث نجدها بشكل عام عند الفارابي و ابن سينا مثلا، كما نجدها في المذاهب الباطنية الإسلامية و هي تسمى هناك بـ (الحدّ).
[12]- حدث هذا عام 1945.
[13] -  (He said to them: He that hath ears, let him hear. There is a light within a man of light, and it gives light to the whole world. If it does not give light, there is darkness)
http://www.goodnewsinc.net/othbooks/thomas.html
[14] - يمكن بهذا الشأن مراجعة كتاب "الغنوصية في الإسلام لـ هاينز هالم"، وهو من إصدار منشورات الجمل، بيروت، 2010م. (ط2).
[15] - موقعها الرسمي: http://gnosis.org/ecclesia/ecclesia.htm
[16] - موقعها الرسمي:  http://www.churchsmsj.org/
  
* هذا المقال منشور أيضا على موقع "مسارات فكرية إبداعية"، بتاريخ12- 5-2017،
  على الرابط التالي:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق